كيف تعمل القوقعة الإلكترونية داخل الأذن؟

مقدمة :
القوقعة الإلكترونية (Cochlear Implant) تُعد من أهم الإنجازات الطبية في مجال علاج فقدان السمع الحسي-العصبي الشديد والعميق. وعلى عكس المعينات السمعية التقليدية التي تقوم فقط بتضخيم الصوت، فإن القوقعة الإلكترونية تتجاوز الخلايا الحسية التالفة في الأذن الداخلية وتعمل على تحفيز العصب السمعي كهربائيًا بطريقة مباشرة ومنظمة.
لفهم آلية عملها بدقة، لا بد من الإحاطة بتشريح الأذن، الفيزيولوجيا السمعية، وآليات التحويل العصبي للإشارات الصوتية.
أولاً: الأساس التشريحي والفيزيولوجي للسمع
1. القوقعة الطبيعية
القوقعة هي عضو حلزوني في الأذن الداخلية، تحتوي على:
- الخلايا الشعرية الداخلية والخارجية: مسؤولة عن تحويل الاهتزازات الميكانيكية إلى إشارات عصبية.
- الغشاء القاعدي: ينظم الترددات الصوتية (الأصوات الحادة عند القاعدة، والغليظة عند القمة).
- العصب السمعي (العصب القحفي الثامن): ينقل الإشارات الكهربائية إلى جذع الدماغ ثم القشرة السمعية.
في حالات فقدان السمع الحسي-العصبي، تكون الخلايا الشعرية متضررة أو مفقودة، بينما يبقى العصب السمعي في كثير من الحالات قابلًا للتحفيز.
ثانياً: ما هي القوقعة الإلكترونية؟
القوقعة الإلكترونية هي جهاز طبي إلكتروني-عصبي يتكون من جزأين رئيسيين:
- جزء خارجي: يلتقط الصوت ويعالجه.
- جزء داخلي مزروع جراحيًا: يحوّل الإشارات إلى نبضات كهربائية تحفّز العصب السمعي مباشرة.
وظيفتها الأساسية:
تحويل الصوت من طاقة صوتية → إلى إشارة رقمية → ثم إلى نبضات كهربائية منظمة → تصل إلى العصب السمعي → وتُفسَّر في الدماغ كإحساس سمعي.
ثالثاً: مكونات القوقعة الإلكترونية ووظيفة كل جزء:
1. الميكروفون (Microphone)
- يلتقط الموجات الصوتية من البيئة المحيطة.
- لا يميز الصوت لغويًا، بل يحوله إلى إشارة كهربائية خام.
2. معالج الكلام (Speech Processor)
- يُعد العقل الحسابي للقوقعة.
يقوم بـ:
- تحليل الصوت إلى تردداته المختلفة.
- إزالة الضوضاء غير المهمة نسبيًا.
- ضغط الإشارة الصوتية لتناسب المجال الديناميكي العصبي.
- يعتمد على خوارزميات دقيقة تحاكي التوزيع الطبيعي للترددات داخل القوقعة.
3. ملف الإرسال الخارجي (Transmitting Coil)
- ينقل الإشارة المشفرة عبر مجال كهرومغناطيسي.
- لا توجد أسلاك تخترق الجلد، ما يقلل خطر العدوى.
4. المستقبل المزروع (Receiver-Stimulator)
- يستقبل الإشارة الرقمية داخل الجسم.
- يحولها إلى نبضات كهربائية محسوبة الشدة والزمن.
5. مصفوفة الأقطاب الكهربائية (Electrode Array)
- تُزرع داخل القوقعة (Scala Tympani).
- تحتوي على أقطاب متعددة، كل قطب مسؤول عن نطاق ترددي معين.
- تحفّز ألياف العصب السمعي وفق خريطة ترددية دقيقة (Tonotopic Organization).
رابعاً: آلية العمل خطوة بخطوة:
1. التقاط الصوت
الصوت يصل إلى الميكروفون على شكل موجات هوائية.
2. المعالجة الرقمية
يقوم معالج الكلام بتقسيم الصوت إلى قنوات ترددية متعددة، تحاكي وظيفة الغشاء القاعدي في القوقعة الطبيعية.
3. ترميز الإشارة
- يتم تحويل كل قناة ترددية إلى نمط من النبضات الكهربائية.
تختلف النبضات في:
- الشدة (Intensity)
- التردد (Rate)
- التوقيت (Timing)
4. النقل عبر الجلد
الإشارة تنتقل لاسلكيًا إلى المستقبل المزروع.
5. التحفيز العصبي
- الأقطاب الكهربائية تحفّز العصب السمعي مباشرة.
- لا يتم “إصلاح” السمع، بل إنشاء مسار سمعي بديل.
6. التفسير الدماغي
الدماغ يتلقى الإشارات ويعيد تفسيرها تدريجيًا كأصوات ذات معنى، عبر آليات اللدونة العصبية (Neuroplasticity).
خامساً : دور اللدونة العصبية في نجاح القوقعة
نجاح القوقعة لا يعتمد فقط على الجهاز، بل على:
- سلامة العصب السمعي.
- مدة الحرمان السمعي.
- عمر المريض.
- التأهيل السمعي واللغوي المكثف.
الدماغ، خاصة لدى الأطفال، يمتلك قدرة عالية على إعادة تنظيم القشرة السمعية وتفسير الإشارات الكهربائية الجديدة كأصوات مفهومة.
خاتمة
القوقعة الإلكترونية ليست جهاز تضخيم، بل نظام تواصل عصبي-إلكتروني معقّد يعتمد على مبادئ دقيقة من الفيزياء، الهندسة الطبية، علم الأعصاب، وعلوم السمع.
نجاحها الحقيقي يكمن في قدرتها على استغلال ما تبقى من المسار العصبي السمعي، وإعادة تدريب الدماغ على “لغة كهربائية” جديدة تُترجم مع الوقت إلى سمع وظيفي ذي معنى.
التعليقات (0)
لا توجد تعليقات
كن أول من يعلق على هذا المقال