ما هي زراعة القوقعة؟

Dec 06, 2025
38 المشاهدات
1 التعليقات

صورة تعبر عن زراعة القوقعة

تُعد زراعة القوقعة إحدى أبرز التقنيات الطبية الحديثة التي أحدثت تحولًا جوهريًا في طرق علاج فقدان السمع العصبي الحسي، خاصة لدى الأفراد الذين لا يحققون استفادة كافية من المعينات السمعية التقليدية. يقوم هذا الإجراء على مبدأ تحويل الصوت من موجات سمعية إلى إشارات كهربائية تُنقل مباشرة إلى العصب السمعي، متجاوزةً الخلايا التالفة في القوقعة، وهو ما يتيح للأشخاص ذوي فقد السمع الشديد أو العميق إمكانية استعادة القدرة على السمع بدرجة تحسّن جودة حياتهم وتفاعلهم الاجتماعي.

يحدث فقدان السمع العصبي الحسي عادة نتيجة تلف في خلايا الشعر الدقيقة داخل القوقعة، وهي الخلايا المسؤولة عن ترجمة الموجات الصوتية إلى نبضات عصبية يفهمها الدماغ. وعندما تتعرض هذه الخلايا للتلف بسبب عوامل مثل الوراثة، أو الالتهابات المتكررة، أو التعرض للأصوات العالية، أو التقدم في العمر، يصبح من الصعب على الإشارات الصوتية الوصول بشكل فعّال إلى الدماغ، مما يجعل الأجهزة السمعية التقليدية غير قادرة على تقديم الحل المطلوب لأنها تعمل فقط على تضخيم الصوت دون معالجة سبب الخلل الأساسي.

في هذا السياق، برزت تقنية زراعة القوقعة كحل فعّال يعتمد على جهاز متطور يتكون من جزء خارجي وآخر داخلي يُزرع جراحيًا. يلتقط الجزء الخارجي الأصوات من البيئة عبر ميكروفون دقيق، ثم يُعالج هذه الأصوات ويحوّلها إلى إشارات رقمية. تُرسل هذه الإشارات إلى الجزء الداخلي الذي يقوم بدوره بتحويلها إلى نبضات كهربائية تُحفّز العصب السمعي من خلال مجموعة من الأقطاب المزروعة داخل القوقعة. ومع مرور الوقت، يتعلم الدماغ تفسير هذه الإشارات كأصوات ذات معنى، وهو ما يتيح للمريض القدرة على فهم الكلام والتواصل بشكل أكثر فعالية.

وتختلف نتائج زراعة القوقعة بناءً على عدة عوامل، ولا سيما العمر عند إجراء العملية. فقد أثبتت الدراسات أن الأطفال الذين تُجرى لهم الزراعة في سن مبكرة – وغالبًا قبل سن الثالثة – يحققون تقدّمًا سريعًا في اكتساب مهارات اللغة والكلام، وقد يصل بعضهم إلى مستويات قريبة من السمع الطبيعي خلال سنوات قليلة. أما لدى البالغين، فتتوقف النتائج على مدى الفترة التي عاشوها دون سمع فعّال، وعلى مدى التدريب المرافق بعد العملية. وعلى الرغم من أن الزراعة لا تعيد السمع الطبيعي بالكامل، إلا أنها تمنح قدرة وظيفية عالية تمكّن الفرد من التفاعل الاجتماعي، وفهم الكلام، والتمييز بين الأصوات بدرجة كبيرة.

من الناحية الطبية، تُعد عملية زراعة القوقعة آمنة نسبيًا، غير أنّها – شأنها شأن أي تدخل جراحي – قد تحمل بعض المخاطر، مثل التهابات موقع الجرح، أو فقدان التوازن المؤقت، أو احتمال فشل أحد مكوّنات الجهاز. إلا أن هذه المخاطر تُعد نادرة، خاصة عند إجراء العملية في مراكز طبية متخصصة تمتلك خبرة واسعة في هذا المجال، حيث تتوافر فرق طبية متعددة التخصصات تُشرف على مراحل التقييم والجراحة والتأهيل.

ويُعتبر التأهيل السمعي واللغوي أحد أهم المراحل اللاحقة للزراعة، إذ تعتمد فعالية الجهاز إلى حد كبير على برامج التدريب السمعي، وتعليم المريض – وخاصة الطفل – كيفية تفسير الأصوات الجديدة واستخدامها في تطوير مهارات اللغة والتواصل. وتتطلب هذه المرحلة متابعة مستمرة من أخصائيي السمع واللغة، إضافة إلى دور أساسي يقوم به الوالدان أو البيئة المحيطة لضمان التحفيز اللغوي الضروري لتحقيق أفضل النتائج.

في الختام، تمثل زراعة القوقعة نقلة نوعية في علاج حالات فقد السمع الشديد والعميق، إذ تجمع بين التقدم التقني والدعم التأهيلي لتحقيق أفضل جودة حياة ممكنة للمريض. وقد أثبتت التجربة خلال العقود الماضية أن هذه التقنية تُعد من أكثر الحلول فعالية في تمكين المرضى من الاندماج في المجتمع، واستعادة القدرة على التواصل، وتحسين الأداء الدراسي والمهني. ومع استمرار التطور العلمي، يُتوقع أن تصبح هذه التقنية أكثر دقة، وأكثر قدرة على محاكاة السمع الطبيعي، مما يعزز دورها كخيار علاجي محوري في مجال طب السمعيات.

فيديوهات

التعليقات (1)

serious sas

serious sas

منذ 3 أسابيع

ممتاز ، شكرا لكم

تحتاج رعاية طبية؟

اتصل بنا